الإطار الديداكتيكي لتعليم الرياضيات بالتعليم الابتدائي

تتميز الطرق والأساليب التفاعلية التي تمكن من بناء الكفايات بكونها تسمح بوضع المتعلم في  سياق يحفزه على حل المشكلات باستثمار معارفه، وعلى الانفتاح في نفس الوقت على محيطه. وفي  الرياضيات ، تشكل نظرية الوضعيات إطارا ديداكتيكيا ومنهجيا مناسبا لبناء الكفايات، إذ أنها تمكن  المدرس من آلية منهجية تساعده على تدبير تعلمات تلاميذه على أساس جعلهم يواجهون وضعيات مشكلة  تتضمن تحديات وعوائق، مما يجعلهم ينخرطون في البحث عن حلول لتلك المشكلات اعتمادا على  نشاطهم الذاتي، والحوار الجماعي

تعتبر نظرية الوضعيات نموذجا يمكن المدرس من اختيار وتدبير وضعيات تعليمية - تعلمية تتيح للمتعلم إمكانية بناء المعارف الرياضياتية الجديدة اعتمادا على نشاطه الذاتي، وفي هذا الصدد تعتبر أعمال ڭي بروسو Guy Brouusseau مرجعا أساسيا يعتمد كإطار بيداغوجي وديداكتيكي في بناء المعرفة الرياضياتية بالوسط المدرسي؛ إذ أن نظرية « الوضعيات الديداكتيكية » التي أسسها تأخذ بعين الاعتبار جميع الشروط التي تفضي إلى حدوث سلوكات ومواقف بخصوص بناء المعرفة.

وهذا الاختيار مبني على فرضية مفادها أن التلميذ تكون له معارف وتمثلات قبلية بخصوص المفاهيم الرياضية المراد اكتسابها. وهذه التمثلات تدخل في تفاعل، وتطرأ عليها تحولات، ويعاد تنظيمها وترتيبها بفعل التعلم كحلول للوضعية - المسألة التي تكون فيها المعارف السابقة غير كافية أوغير ملائمة.

ونقدم فيما يلي بعض المفاهيم الأساسية المرتبطة بنظرية الوضعيات:

الوضعية الديداكتيكية Situation didactique:

«هي مجموع الشروط والعلاقات التفاعلية التي تربط المتعلم والوسط المدرسي الذي يضم الأستاذ ووسائل العمل والمعرفة المراد اكتسابها سواء كانت جاهزة أو في طورالبناء».

الوضعية  Situation - problème :  

وتتميز الوضعية الديداكتيكية بكونها « وضعية – مسألة » تتطلب حلا في إطار ما يسمى بالتعاقد الديداكتيكي الذي يحدد مسؤولية كل من الأستاذ والمتعلم. فللوضعية الديداكتيكية مكونان اثنان هما:الوضعية - المسألة، والتعاقد الديداكتيكي. عبارة عن مشكلة مكونة من نص أو نص وصورة (أو رسم) تتضمن معطيات في سياق معين، ودرجة ما من التحدي، مصحوبة بسؤال محير لا يملك التلميذ حلا جاهزا له، ولا تصورا مسبقا عنه مما يحفزه على البحث والتقصي من خلال عمليات معينة للتوصل إلى الحل المطلوب.

خصائص الوضعية المسألة:

من أهم خصائص الوضعية - المسألة ما يلي:

جعل المتعلم ينخرط في معطيات الوضعية - المسألة، وفي البحث عن حل لها بتوظيف تمثلاته ومكتسباته القبلية؛معارف ومكتسبات المتعلم القبلية غير كافية لإيجاد حل للوضعية -المسألة بشكل فوري؛شعور ووعي المتعلم بالقصور الذي يعتريه أمام الوضعية -المسألة، الشيء الذي يشكل له حافزا في البحث عن الأداة الأكثر ملاءمة للتوصل إلى الحل المرغوب فيه؛اعتبار المعرفة الجديدة التي يتوصل المتعلم إلى اكتشافها أو بنائها الأداة الملائمة لحل الوضعية المسألة.

 التعاقد الديداكتيكي:

التعاقد الديداكتيكي حسب « بروسو » هو مجموع العلاقات التي تحدد بصفة صريحة بعض الحالات وبصفة ضمنية في أغلبها ما هو مطلوب من كل طرف ( الأستاذ – المتعلم ) أن يحققه خلال حصة تعليمية معينة.

إن تعلم التلميذ للمفاهيم والتقنيات الرياضية، يتم وفق مراحل تمكنه من التفاعل مع الوضعية المسألة؛ وهذه المراحل هي:

وضعية الفعل Situation action:

هي المرحلة التي يوضع فيها المتعلم أمام وضعية مسألة، وينطلق في البحث عن حل لها بمفرده، ويقدم حلا مؤقتا لهذه الوضعية باستثمار تمثلاته ومكتسباته القبلية، ويحاول بناء نموذج غير مصرح به لهذا الحل.

وضعية الصياغة Situation de formulation: 

وهي الوضعية التي يقدم فيها المتعلم صياغة صريحة للحل المؤقت المتوصل إليه في وضعية الفعل مما يجعله ينتج معرفة ذاتية خاصة به.

وضعية المصادقة Situation de validation:

وهي الوضعية التي يدافع فيها المتعلم عن صلاحية ومصداقية النموذج الذي توصل إليه في الوضعيتين السابقتين، وذلك بمشاركة زملائه، حيث يبلغهم الكيفية أو الطريقة التي أوصلته إلى الحل، موظفا في تواصله معهم لغة ورموزا وصيغا متفقا عليها.

وضعية المأسسة Situation de d’institutionnalisation :

وهي الوضعية التي تهدف إلى تجريد المعرفة من السياق الذي بنيت فيه وتأطيرها ضمن منظومة المفاهيم الرياضياتية بصفة عامة، والمدرسية بصفة خاصة، لينتقل المفهوم إلى أداة؛ ويتم ذلك من خلال المناقشة الجماعية بين الأستاذ وجماعة القسم، حيث يقوم الأستاذ بتوحيد المعارف ومجانستها، ويضبط جميع المصطلحات والرموز والتعابير الرياضية.

وتدعم هذه المراحل بمرحلة إعادة الاستثمار التي تهدف إلى إعادة استخدام المعلومات المكتسبة من أجل حل تمارين ومسائل جديدة، في وضعيات وسياقات مختلفة باعتبارها أنشطة لتركيز المعارف التي تم بناؤها.

تعليقات