📁 آخر المشاركات

التمثلات وأهميتها في بناء المعرفة العلمية

التمثلات وأهميتها في بناء المعرفة العلمية وانواع التمثلات

أهمية توظيف التمثلات في العملية التعليمية

تعد التمثلات من المفاهيم الأساسية في العملية التعليمية، إذ تلعب دورًا حيويًا في بناء المعرفة العلمية لدى المتعلمين. فالتمثلات هي نتاج تفاعل معقد بين عوامل ذاتية ترتبط بالمنظومة التربوية ككل، وعوامل خارجية تتمثل في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤثر بشكل كبير على المتعلمين. ونظرًا لأن المتعلم هو محور العملية التعليمية، يصبح من الضروري الاهتمام بوضعه داخل الصف، والحرص على تلبية حاجياته المتعددة، واستحضار جميع العوامل المؤثرة في شخصيته وتعلمه. فالطفل يدخل المدرسة محمّلاً بخلفيات اجتماعية وثقافية ومعرفية تشكل الأساس الذي ينطلق منه في بناء تعلماته الجديدة، وهذا ما نعنيه بمفهوم «التمثلات».

تعريف التمثلات

تعددت التعاريف المتعلقة بمفهوم التمثلات نظرًا لتركيبه المعقد وارتباطه العميق بشخصية الفرد. ويمكن تلخيصها في أنها:

  • معارف أو مفاهيم أولية أو تصورات سابقة أو أحكام مسبقة يمتلكها الفرد، وتتشكل لديه من خلال احتكاكه بمحيطه الاجتماعي والثقافي وتجارب حياته. وهي بمثابة نمط تفسيري يستخدمه لفهم الواقع ومواجهة المواقف الجديدة.
  • استحضار ذهني لأشياء أو موضوعات غائبة، أو إكمال للمعرفة الإدراكية لأشياء حاضرة بالرجوع إلى أشياء غير ظاهرة في تلك اللحظة، كما وصفها جان بياجيه بأنها تمثل درجة عليا من التصور العقلي.

التمثلات في الاصطلاح

عرف العالم السوسيولوجي إميل دوركايم التمثلات بأنها تصورات اجتماعية تنبني على قيم ومعايير سلوكية تتغير بتغير الظروف الاجتماعية، وتشكل رؤية المجتمع للعالم وأنماط تفكيره وأساليب حياته.

أما كل من Glement وGiordan فاعتبرا التمثلات معارف أولية مكتسبة خارج إطار العلوم الأكاديمية، وهي معلومات عامة اكتسبها الفرد من محيطه الاجتماعي والثقافي، قد تفتقر أحيانًا للأساس العلمي الذي يمنحها المصداقية كمعرفة موثوقة.

بينما يرى غاستون باشلار أن التمثلات قد تكون عائقًا بيداغوجيًا يمنع المتعلم من اكتساب المعرفة العلمية الدقيقة، إذا لم يتم تصحيحها أو تطويرها.

التمثلات في اللغة والديداكتيك

  • في اللغة: تعني التمثلات التشبيه أو التعبير بصورة أو كتابة، أما بمعنى التصورات فهي عملية عقلية يدرك بها الفرد المعاني المجردة أو يكوّنها.
  • في الديداكتيك: التمثلات هي بنيات فكرية شخصية يستخدمها المتعلم لتفسير المحتوى التعليمي، وهي أنظمة تفسيرية ذاتية تختلف من شخص
  •  لآخر، ولا تتطابق دائمًا مع المفهوم العلمي الدقيق.

أنواع التمثلات

يمكن تصنيف التمثلات إلى عدة أنواع، أهمها:

  • تمثلات صحيحة أو دقيقة.
  • تمثلات خاطئة أو مغلوطة.
  • تمثلات غير مستقرة أو مترددة.
  • انعدام التمثل، عندما يكون الموضوع جديدًا كليًا على المتعلم.

كما يمكن التمييز بين:

  • التمثلات الإيجابية: التي تدعم التعلم، وتسهل اكتساب معارف جديدة، وتساعد المتعلم في بناء معرفة علمية صحيحة.
  • التمثلات السلبية: وهي التمثلات الخاطئة التي تعيق عملية التعلم، وتتطلب تصحيحًا وإعادة بناء.

أهمية التمثلات في بناء المعرفة العلمية

للتمثلات دور أساسي داخل العملية التعليمية، حيث تُعد منطلقًا هامًا لتخطيط وتدبير الأنشطة التعليمية، ويمكن تلخيص أهميتها في النقاط التالية:

  • التعرف على الأنماط التفسيرية التي يعتمدها المتعلم لفهم محتوى المادة الدراسية.تشخيص العوائق المعرفية لدى المتعلم، ومعرفة خلفياته الثقافية والمعرفية.
  • تهيئة المتعلمين لتعديل تمثلاتهم الأولية من خلال مناقشتها، والكشف عن مواطن الخلل فيها، وتحفيزهم للبحث والتساؤل.
  • استثمار حوارات المتعلمين لاكتشاف طبيعة تصوراتهم، وتوجيههم لمقارنة معارفهم السابقة بالمعارف الجديدة المكتسبة بعد الدرس.
  • مساعدة المدرس على معرفة مستوى المتعلمين في موضوع معين، وتنظيم أنشطة صفية مناسبة.
  • توجيه تصرفات المتعلم وتنظيم أفكاره ومدركاته ليتعامل بفاعلية مع محيطه.
  • كونها أداة أساسية لتخطيط الأنشطة التعليمية، وتصحيح الأخطاء في بدايتها لتيسير اكتساب المعارف الجديدة.
  • استثمار التمثلات في بناء التعلمات الجديدة، سواء بالانطلاق من التمثلات الصحيحة أو تعديل الخاطئة منها.
  • رصد نقاط القوة لدى المتعلم لتعزيزها، ومواطن الضعف لمعالجتها.
  • إحداث حالة من عدم التوازن المعرفي لدى المتعلم، ما يجعله يبحث عن إعادة التوازن بمعارف علمية دقيقة.
  • تطوير وتصحيح وتعزيز مكتسبات المتعلم المعرفية والاجتماعية والثقافية.
  • تسهيل اندماج المتعلم في محيطه، وتحقيق تواصله مع البيئة الاجتماعية والثقافية المحيطة به.

التوظيف الديداكتيكي للتمثلات

يمكن للمدرس استثمار التمثلات في ثلاث مراحل من العملية التعليمية:

قبل بداية الدرس

يرصد المدرس التمثلات المتعلقة بموضوع الدرس أو الوحدة الدراسية، ليبني عليها تخطيطه للدرس.

خلال الوضعية التعليمية

يمكن استعمال عدة استراتيجيات، منها:

  • التشكيك في صحة تمثلات المتعلمين لدفعهم نحو البحث والنقاش.
  • الحوارات المتعارضة لاستجلاء تمثلات متنوعة حول الظاهرة المدروسة.
  • استكشاف التمثلات بوسائل وأسئلة هادفة.
  • مواجهة المتعلمين بالمفاهيم العلمية الصحيحة لإحداث صراع معرفي إيجابي.

بعد الوضعية التعليمية

يجري التقويم للتأكد من تغيير التمثلات الخاطئة أو تعزيز الصحيحة منها. كما تُستخدم المقاربة البنائية، التي تُعطي المتعلم دورًا أساسيًا في بناء معارفه اعتمادًا على مكتسباته السابقة، بما في ذلك تمثلاته.

أمثلة على التمثلات الخاطئة في العلوم

  • السكر يمتص الماء فيذوب، أما الخشب فلا يذوب لأنه لا يمتص الماء.
  • الكهرباء هي الضوء.
  • النباتات تشرب الماء.
  • ذوبان الثلج بدلاً من انصهاره.
  • الشمس مصباح يشتعل نهارًا وينطفئ ليلًا.
  • الماء يأكل السكر.
  • الكهرباء مثل النار.
  • الضوء هو الشمس أو القمر أو حاسة البصر.
  • الظل هو الخيال.
  • النباتات تتنفس الأوكسجين مثل الإنسان.
  • النباتات تتغذى على الطعام الموجود في الأرض.
  • الغازات ليست مادة لأنها لا تُرى بالعين المجردة.

إن تحقيق التوازن المعرفي لدى المتعلم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأخذ تمثلاته بعين الاعتبار كنقطة انطلاق لبناء معرفته العلمية بشكل سليم. فذلك يؤهله لحل المشكلات الحالية والمستقبلية، وتحقيق ذاته في إطار دعم من أستاذ يلعب دور الموجه والمنشط، يسعى إلى تهيئة ظروف التعلم، وتصحيح الأخطاء باستراتيجيات حديثة، تسهم في تكوين متعلم مواطن، مبدع، قادر على المساهمة في بناء مجتمعه.

يمكنكم الإطلاع أيضا
تعليقات