منهجية تدريس النشاط العلمي وفق المنهاج المنقح
يُعد النشاط العلمي من المواد الأساسية في السلك الابتدائي، إذ يهدف إلى تنمية روح الملاحظة، والقدرة على طرح الأسئلة، وصياغة الفرضيات، والقيام بالتجريب واستخلاص النتائج. ولا تقتصر وظيفته على إكساب المتعلمين المعارف والمفاهيم العلمية فحسب، بل يسهم أيضًا في بناء شخصية المتعلم وتطوير كفاياته المنهجية والمهارية.لكن تدريس هذه المادة لا يتم بطريقة تقليدية تعتمد على الإلقاء والتلقين، بل يستوجب اعتماد منهجية بيداغوجية دقيقة تقوم على إشراك المتعلمات والمتعلمين، وتنمية روح البحث والتقصي لديهم. في هذا المقال، نستعرض أهم الخطوات والمنهجيات المعتمدة في تدريس النشاط العلمي وفق المنهاج المنقح.
1. منطلقات التدريس: تمثلات المتعلمين
تؤكد التوجيهات البيداغوجية الحديثة على ضرورة أخذ تمثلات المتعلمات والمتعلمين بعين الاعتبار، وجعلها نقطة انطلاق في بناء التعلمات. فالمتعلم لا يصل إلى القسم فارغًا، بل يحمل أفكارًا أولية تشكل رصيده المعرفي الأول. مهمة المدرس إذن، هي مواجهة هذه التمثلات ومناقشتها وتحليلها، لخلق "خلخلة معرفية" تدفع بالمتعلم إلى إعادة النظر في تصوره السابق.
2. تنظيم الفضاء وأساليب العمل
يتطلب تدريس النشاط العلمي تنظيمًا مرنًا لفضاء القسم يتيح الاشتغال في مجموعات أو بشكل ثنائي، خصوصًا أثناء أنشطة التقصي، مثل صياغة الفرضيات وتجريبها. كما يُنصح بتنويع أساليب العمل (فردي، جماعي، ثنائي) وتحفيز الحوار العلمي بين المتعلمين.
3. المراحل الأساسية لبناء المفهوم العلمي
أ. وضعية الانطلاق
ينطلق الدرس بوضعية مشكلة مستمدة من الحياة اليومية للمتعلم، تثير اهتمامه وتُشعره بوجود إشكال يحتاج إلى حل. تهدف هذه الوضعية إلى رصد التصورات الأولية وخلق دافعية للتعلم.
ب. صياغة سؤال التقصي
ينتقل المتعلمون إلى تحديد المشكلة بدقة وصياغة سؤال أو أسئلة تقصي، تُعبّر عن ما يريدون فهمه أو معرفته.
ج. اقتراح الفرضيات
تُشجع هذه المرحلة المتعلمين على تقديم تفسيرات أولية انطلاقًا من مكتسباتهم السابقة. تُعد الفرضيات حلولًا مؤقتة قابلة للدحض أو التحقق.
د. اختبار الفرضيات
يتم عبر مناولات وتجارب، ملاحظات، بحث وثائقي، أو زيارات ميدانية، حسب طبيعة المشكلة. الهدف هو التحقق من مدى صدقية الفرضيات المقترحة.
هـ. تدوين النتائج
يُشجَّع المتعلمون على توثيق نتائجهم بشكل فردي أو جماعي، قصد تحليلها لاحقًا ومقارنتها بالفرضيات الأصلية.
و. تقاسم الحصيلة
تعرض النتائج في شكل جماعي، وتُناقش مع باقي المتعلمين، قصد إثبات الفرضيات أو دحضها على أساس أدلة موضوعية.
ز. التعميم
تُستخلص المفاهيم أو القوانين العلمية في نهاية الحصة، ويتم تعميمها في شكل أثر كتابي يعبّر عن التعلمات المتوصل إليها.
4. أنشطة الاستثمار والتطبيق
بعد بناء التعلم، يتم توظيف المعارف والمفاهيم الجديدة لحل وضعيات جديدة مرتبطة بحياة المتعلم، مما يُساعد على ترسيخ الكفايات العلمية وتنمية مهارات التفكير النقدي.
5. أنشطة التقويم والدعم
يهدف التقويم في مادة النشاط العلمي إلى التحقق من مدى استيعاب المتعلم للنهج العلمي، ومن قدرته على تعبئة مكتسباته في حل وضعيات مركبة. يُعد هذا التقويم تشخيصيًا وتكوينيًا في آنٍ واحد، يساعد على رصد التعثرات وتوجيه خطة الدعم المناسبة لضمان تعلم فعّال.
6. مقومات أساسية لإنجاح درس النشاط العلمي
- التكامل بين المواد الدراسية أثناء الإعداد.
- تنويع الوسائل التعليمية والتجارب العلمية.
- الاعتماد على تمثلات المتعلمين كمنطلق لبناء المعرفة.
- جعل القسم فضاء للحوار والتعاون.
- توسيع فضاء التعلم ليشمل مؤسسات وجولات استكشافية.
- الاهتمام بالرسومات، التعابير، والمصطلحات الخاصة بالمتعلمين.
- تقديم المعرفة من خلال المشكلات والحلول، وليس الحفظ والتلقين.
- استعمال معايير دقيقة لتقويم التعلمات والمهارات العلمية.
- انتقاء دعائم متنوعة تتناسب مع طبيعة كل درس.
- الاستخدام الذكي للكتاب المدرسي باعتباره دعامة تنظيمية، لا وسيلة وحيدة للتعليم.
إن تدريس مادة النشاط العلمي في التعليم الابتدائي لم يعد مجرد تقديم لمعارف علمية جاهزة، بل أصبح بناءً تشاركيًا للمعرفة، ينطلق من المتعلم ويعود إليه. لهذا، فاعتماد نهج التقصي وتنويع طرق العمل وتوظيف محيط المتعلم، كلها عناصر ضرورية لجعل درس النشاط العلمي لحظة تعلم فعالة، وفضاء لتنمية التفكير العلمي والملاحظة والاستنتاج.