النقل الديداكتيكي

النقل الديداكتيكي هو عملية نقل المعرفة العلمية من مجالها الأصلي إلى مجال التعليم والتعلم، وذلك من خلال تكييفها وتعديلها لتتناسب مع احتياجات المتعلمين وظروف التعليم. يتم تخطيط هذه العملية عن طريق تحديد الموضوع العلمي الأصلي والموضوع المطلوب تعلمه والموضوع الذي يتم تدريسه.  تشكل الإشكالية الرئيسية للنقل الديداكتيكي في كيفية تحويل المعرفة العلمية إلى معرفة يمكن تدريسها وتعلمها. يتضمن التحليل الديداكتيكي النظرة الموضوعية والشاملة، والتي يمكن أن تضمن وضع النقل الديداكتيكي ضمن أولوياتها. ولذلك، يتم التعامل مع هذه الإشكالية في سياق المثلث الديداكتيكي المعروف والذي يتكون من المعرفة، والمتعلم، والمدرس.  يتمثل النقل الديداكتيكي في تحويل فعلي للمعرفة، حيث يتم تعديل المعرفة الأصلية وتكييفها لتتوافق مع شروط وقوانين المؤسسة التعليمية كسياق جديد. وبالتالي، يتم تغيير المعرفة الأصلية وإعادة هيكلتها، مما قد يؤدي إلى تعديلات في معناها وتحويلها إلى معرفة مختلفة عن المعرفة الأصلية المقترحة للتدريس.  تشمل خصائص النقل الديداكتيكي:  1. اليقظة الديداكتيكية: وتتطلب التحلي بالموضوعية التامة وتمييز المعرفة المدرسية عن القناعات والمواقف الشخصية. يجب أن يكون هناك فصل واضح بين المعرفة والميول الشخصية  .

تعريف النقل الديداكتيكي :

النقل الديدكتيكي: هو نقل المعرفة من فضائها العلمي الخالص إلى فضاء الممارسة التربوية، لتناسب خصوصيات المتعلمين النفسية وتستجيب لحاجاتهم، عن طريق تكيفها وفق الوضعيات التعليمية – التعلمية. ويتم التخطيط لعبور المعرفة من مجال التخصص إلى مجال التعليم كالتالي:

موضوع المعرفة ----- الموضوع الواجب تعلمه ----- موضوع التعليم

و الإشكالية التي يطرحها النقل الديدكتيكي تكمن في الكيفية التي تتيح إمكانية الانتقال من معرفة عالمة إلى معرفة قابلة للتدريس و التعلم. وبما أن التحليل أو البحث الديدكتيكي الذي يتوخى النظرة الموضوعية والشمولية قد يضع النقل الديدكتيكي ضمن أولياته، فإنه اختار أن يقارب تلك الإشكالية في سياق مثلثه المعروف بالمثلث الديدكتيكي: المعرفة - المتعلم – المدرس.

وبذلك يصبح النقل الديدكتيكي عبارة عن تحويل فعلي للمعرفة، تبتعد فيها عن حالتها الخام، أي كما أنتجت في سياق سوسيولوجي محدد، لتصير مادة مدرسية تخضع إلى شروط وقوانين، هي في نهاية المطاف شروط المؤسسة المدرسية كسياق سوسيولوجي مغاير.

إن النقل الديدكتيكي (منظورا إليه من هذه الزاوية)، لا يمر دون أن يدخل تغيرات على المعرفة الأصلية، بحيث تخضع هذه الأخيرة إلى:

" إعادة هيكلة (بنينة) قد تفضي إلى مخاطر إدخال تعديلات على مدلولها، بحيث تصير عبارة عن معرفة مغايرة و متميزة عن المعرفة المقترحة فعليا للتدريس ".

و يأتي ذلك بفعل إخراج المفاهيم من سياقاتها التخصصية أو النظرية وإعادة ربطها بمفاهيم أخرى، قصد ملاءمتها للمقتضيات المدرسية، وبذلك تكون أمام مفاهيم مغايرة تحمل مدلولات جديدة.

و إذا كان النقل الديدكتيكي من اختصاص الديدكتيكيين على مستوى المناهج والبرامج، فإن المدرس مطالب بتطبيق نفس النهج لبناء دروسه بشكل علمي (أي القيام بما يصطلح عليه "بالنقل الديدكتيكي الداخلي": أي تكييف مضامين الكتب المدرسية بما ينسجم مع المستوى الفعلي للمتعلمين).

خاصيات النقل الديدكتيكي :

إن المعرفة العلمية المقترحة للتدريس، هي في الواقع، معرفة مجردة عن شروط إنتاجها المؤسسية والذاتية، فهي، في الأصل، معرفة أنتجت في أوساط علمية متنوعة كالمختبرات و الجامعات و المعاهد، كما أنها احتاجت في إنتاجها إلى مجهود فكري ووجداني مبذول من لدن العالم أو مجموعة من العلماء المبدعين لها للوهلة الأولى، بل مر مسار عملهم وجهدهم من فترات نجاح ولحظات إخفاق وتوقف مختلفة قبل أن يتوصلوا إلى إخراج ما أنتجوه إلى الوجود.

وعندما ينقل ذلك المنتوج العلمي، إلى الحقل التعليمي فمعنى ذلك أننا نفصله عن كل تلك الملابسات والشروط التي أحاطت بإنتاجه؛ فنحن نقدم المعرفة العلمية إلى المتعلم منظمة ومرتبة على نحو آخر، بحيث يستبعد أو يحذف كل ما يمكن أن يحيل إلى الأخطاء أو الإخفاقات التي رافقت بناء المعرفة العلمية.

وعلى هذا الأساس، تصبح عملية النقل الديدكتيكي مدعوة إلى مراعاة جملة من المعايير و القواعد حتى لا تقع ضحية المخاطر التي أشرنا إليها سابقا، ومن بين هذه القواعد نكتفي بالإشارة إلى ما يلي :

  • اليقظة الديدكتيكية : 

و تشير أساسا إلى ضرورة التحلي بالموضوعية التامة، التي تحتم إقامة فصل واضح بين موضوع المعرفة المدرسية والقناعات أو المواقف والميول الشخصية، سواء تعلق الأمر بالديدكتيكي الذي يقوم بعملية النقل أو بالمدرس الذي يقود عمليات التعلم في الفصل الدراسي.
  • خاصية الصدق:

المعرفة العلمية، مهما خضعت للتعديلات أو التغييرات تبقى مع ذلك في السياق المدرسي، بعيدة عن منطق الثقافة العامية أو الشائعة Vulgaire؛ ومن هنا وجب حرص المدرس على ألا يسقط في افتعال المواقف أو اصطناعها، لأجل الضرورات التعلمية، بل عليه أن يتحلى بأكبر قدر من الموضوعية، وأن يتمسك بالمقتضيات التي تفرضها عليه المعرفة العلمية، بعيدا عن الابتذال وعن الحس العام المشترك "sens commun"، لأن من مهام المدرسة بالذات (كما يؤكد على ذلك كانيي Gagné)، أن تحرص على مساعدة المتعلم، لكي يتمكن من الانتقال من الشائع والمتداول والحسي إلى العلمي والمجرد.

  • التقيد بالبرمجة التدريجية:

تشير مستويات النقل الديدكتيكي إلى برمجة المعرفة المدرسية، أي أن يتم توزيع وحداتها على مقاطع متدرجة، تراعي -في نفس الوقت- تقطيعا زمنيا معينا وتقسيما خاصا بالبنية الداخلية للمعرفة المدرسية، وهو تقسيم -غالبا- ما يعتمد الانطلاق من مستويات متفاوتة في الصعوبة و التعقيد.

وهناك على العموم، عدد من المستويات يمكن أن يتم عبرها النقل الديداكتيكي: فهناك (على سبيل المثال) النقل الديداكتيكي الذي يقوم به المدرس، عندما ينتقل من موضوع التعلم إلى موضوع التعليم، و قد يندرج هذا المستوى من النقل، تحت مستوى أعم، ويتبع فيه النقل الديداكتيكي الذي يقوم به الديداكتيكي ذاته.

و لقد حاول شوفالار Chevallard أن يحدد مستويات أخرى للنقل الديدكتيكي عندما يدخل المعايير السوسيولوجية، معتبرا أن هذا النقل يحدث دائما في سياق مشروع سوسيوتربوي Socio-éducatif ، وينتهي في نهاية المطاف بعملية مراقبة اجتماعية لما يدرس.

يمكنكم الاطلاع أيضا:


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-